جاءت اتفاقية الطيران المدني الدولي، التي تم وضعها عام 1944 من قبل 54 دولة، لتعزيز التعاون و"إيجاد وإبقاء الصداقة والتفاهم بين أمم العالم وشعوبه".
وقد وضعت هذه الاتفاقية التاريخية، المعروفة اليوم بشكل شائع باسم "اتفاقية شيكاغو"، المبادئ الأساسية المنظَمة للنقل الجوي الدولي، ومهدت الطريق لإنشاء الهيئة المتخصصة التي تولت الإشراف عليه منذ ذلك الحين، وهي منظمة الطيران المدني الدولي – الإيكاو (ICAO).
شكلت الحرب العالمية الثانية حافزاً قوياً لتطوير الطائرات من الناحية الفنية. وتشكلت خلال هذه الفترة شبكة واسعة لنقل المسافرين والبضائع، إلا أن العديد من العقبات السياسية والفنية ظلت تعترض الطريق أمام تطوير هذه التجهيزات والطرق للأغراض المدنية الجديدة.
وإثر عدد من الدراسات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال، والمشاورات المختلفة التي أجرتها مع حلفائها الرئيسيين، قامت الحكومة الأمريكية بتوجيه دعوة إلى 55 دولة لحضور مؤتمر للطيران المدني الدولي في شيكاغو في عام 1944.
وشهد هذا المؤتمر اجتماع ممثلي الدول المشاركة في وقت عصيب ومظلم من تاريخ البشرية. حيث غامر المندوبون المشاركون في المؤتمر بالسفر إلى شيكاغو في رحلة محفوفة بالمخاطر، في وقت كانت فيه الكثير من البلدان التي يتم تمثيلها لا تزال ترزح تحت وطأة الاحتلال. وفي نهاية المطاف، شاركت 54 دولة من الدول الـ 55 المدعوة في مؤتمر شيكاغو، وبحلول نهايته
يوم 1944/12/7، كانت 52 دولة من الدول المشاركة قد وقعت على "اتفاقية الطيران المدني الدولي" الجديدة
وقد وضعت هذه الاتفاقية التاريخية، التي عُرفت عندئذ ولا زالت تعرف حتى اليوم عموماً باسم "اتفاقية شيكاغو"، المبادئ الأساسية للقواعد والترتيبات اللازمة لضمان سلامة الملاحة الجوية العالمية. وحددت الاتفاقية لنفسها هدفاً أساسياً يتمثل في تطوير الطيران المدني الدولي "... على نحو آمن ومنظم"، و"إنشاء خطوط دولية للنقل الجوي على أساس تكافؤ الفرص واستثمارها بطريقة اقتصادية وسليمة".
كما قامت اتفاقية شيكاغو ببلورة التوقعات الرامية إلى إنشاء منظمة متخصصة للطيران المدني الدولي، وهي الإيكاو، لتتولى تنظيم ودعم التعاون الدولي المكثف الذي تحتاج إليه شبكة النقل الجوي الناشئة في العالم.
وتتمثل المهمة الأساسية للايكاو، منذ إنشائها إلى اليوم، في مساعدة الدول على توحيد اللوائح والقواعد والإجراءات وآليات التنظيم الخاصة بالطيران المدني إلى أقصى درجة ممكنة.
ونظراً للتأخير المعتاد المتوقع حدوثه في عمليات التصديق على الاتفاقيات، قام مؤتمر شيكاغو بالتوقيع على اتفاق مؤقت بإنشاء منظمة مؤقتة للطيران المدني الدولي - البيكاو (Provisional ICAO) لتكون بمثابة هيئة استشارية وتنسيقية مؤقتة.
وكانت هذه المنظمة المؤقتة – البيكاو (PICAO)- تتكون من مجلس انتقالي وجمعية مؤقتة. ومنذ يونيو 1945، بدأ المجلس الانتقالي المكون من ممثلين عن 21 دولة عضواً بعقد اجتماعات دورية في مدينة مونتريـال بكندا. كما شهدت مونتريـال أيضا، في شهر يونيو 1946، انعقاد أول جمعية عمومية مؤقتة للبيكاو، حيث مثلت الشكل الأولي للاجتماعات التي تعقدها الجمعية العمومية للإيكاو كل ثلاث سنوات في العصر الراهن.
وفي 1947/4/4، إثر حصول اتفاقية شيكاغو على التصديقات الكافية، توقف العمل بالآليات المؤقتة للبيكاو، وأصبحت بعدها تعرف رسمياً باسم "الإيكاو". وقد انعقد أول اجتماع رسميّ للجمعية العمومية للإيكاو في مونتريـال في شهر مايو من العام نفسه.
وخلال هذه الرحلة باتجاه العصر الحديث للنقل الجوي، تزايد عدد ملاحق اتفاقية شيكاغو وتطور مضمونها، بحيث أصبحت تشمل الآن أكثر من 000 12 قاعدة وتوصية دولية تمت الموافقة عليها بالإجماع من طرف الدول الأعضاء في المنظمة التي يبلغ عددها الآن 193 دولة عضواً .
وقد مكنت هذه القواعد والتوصيات الدولية، بالإضافة إلى ما تم تحقيقه من تقدم تكنولوجي هائل ومساهمات ضخمة في العقود الأخيرة من جانب شركات النقل الجوي والمصنعين، من تحقيق ما يمكن اعتباره الآن دافعاً أساسياً لعجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وواحداً من أعظم الإنجازات التعاونية في تاريخ البشرية والمتمثل في شبكة النقل الجوي الدولي العصرية.